لا أظن أن هناك بلداً ولّاداً بكل شيء –كبلدنا – يعاني من أمور وإشكالات وظهور مطبات على كل الصعد والمرافق ..
الواقع مكشوف بكل تجلياته وأساريره للعيان، ولا يحتاج إلى شروحات أو تفسيرات .. مجتمع مُترعٌ بكمّ عددي هائل من كل شيء وبأي اختصاص أو مرفق أو مجال، فهناك ما يدعو للقول والاستغراب في الوقت نفسه: مادام لدينا كل شيء؛ فلماذا ما زالت الخطوات خجولة وقاصرة وأحياناً تكاد تكون مشلولة تماماً؟!
ماذا نريد؟.. هو السؤال الأول الذي يجب أن يكون .. ثم ما العمل لكي نصل إلى ما نريد؟ وتالياً جدية القواعد والطرق التي توصلنا إلى ما نريد..
خطط ودراسات بالجملة.. وقرارات حبر على ورق .. تنفيذ عاجز ببعض الأماكن، وإن تم يكون الزمن أفرغ مضمونه وقلل أهميته..
خريجون بالآلاف يحملون شهادات عليا، أشخاص ممن يحملون شهادة دكتوراه يعملون بأماكن ليست لهم ولا تناسب ما بحثوا حوله ودرسوه..!
زادت فجوتنا المعرفية كثيراً، ركضنا وراء الحداثة التي لم نأخذ بناصية إيجابياتها، ركزنا على قشورها، فها هو جيلنا الصاعد يرتعش ويبكي ويدخل بنوبات إغماء ونقل للمشافي عند استماعه لشخص يدعي أنه مغنٍ، وربما يكون من الدرجة العاشرة..! ورغم كل ذلك مازلنا مجتمعاً.. فحملنا الشهادات ولم نحمل المعارف..! تلقينا التدريبات وحضرنا الورشات والندوات، ولدينا مراكز إدارة وأبحاث، ومع ذلك نشكو فشل الإدارات وما تتركه من عثرات وسرقات دمرت المؤسسات، وأنمت ثقافة حصد المكاسب و”غب” الليرات.. والحصيلة بالملايين وربما المليارات!
بارعون في التفنن واتباع أدق وأعقد الأساليب، فتغيرت النفوس قبل أن تتغير القيم.. البناءات الأفقية موجودة، لكننا فشلنا في الوصول إلى بناء واحد عمودي، في أي مرفق أو مضمار..!
حتى في مجال الرياضة لم نفلح في ترك بصمة ذات لون وطعم خاص بنا.. والأغرب أننا مبدعون في تقاذف المسؤوليات والتهرب من الواجبات، حتى إن بعض المسؤولين عندما يخرجون من دائرة المنصب، تتنزل عليهم نعمة إطلاق الأحكام والفتاوى، وتتفتق قريحتهم بالتنظير والنقد وتشخيص الوقائع بعين الغيور والمدافع..! ونسمع لهم، متجاوزين ما كانوا يمارسونه، وما يخفونه، وخوفهم من الصحافة..!
نحن لدينا كل شيء، وليس عندنا شيء.. ولكن ما العمل؟ هل نسكت عن الحال ونكتفي بالتشخيص والتحليل, أم نبادر ونضع النقاط على الحروف؟ الجواب بالقطع لا، لماذا لا يكون هناك توجه وبرنامج محدد معني به الجميع، ويجب أن يبدأ، وهذا يتطلب مكاشفة ومحاسبة, وإعداداً واستعداداً ، والتخلي عن النمطية حتى في خطاباتنا ومعالجة مشكلاتنا، علينا أن نحسم وجهتنا، ونلتزم بقواعد المرور إلى تلك الوجهة، وإلا فسنبقى نسير من دون أن نعرف مكان خطوتنا التالية أو نهاية هذا المسير ، ماذا نريد؟ هو السؤال الأول، ثم ما العمل لكي نصل إلى ما نريد ؟