دعونا نتأمل ما حدث في السويداء.. والتأمل هنا لا يعني أن ما حدث يمثل كامل المشهد في محافظة السويداء، ولا يعني أن ثمة خوف أو قلق من قلة من المشاغبين الذين كشفوا عن هويتهم الأخلاقية مجرد استئجارهم من قبل إدارة الحرب على سورية وارتهانهم لأعداء سورية. التأمل هنا لنا جميعاً، وهو محطة لا غنى عنها للاستفادة من دروس وعبر الحرب على سورية.
لو نظرنا لسياق الأحداث بكل موضوعية منذ بدء الأزمة يفترض أن ندرك مجموعة حقائق في مقدمتها أن صلابة الوضع الداخلي هي بالمحصلة القوة الأكبر لمواجهة أي تآمر خارجي، وأثبتت الوقائع أن الشعب هو السلاح الأقوى لأنه أدرك أنه في الوقت الذي يريد الأمان والحياة الكريمة لا ينتظر من يأتي من الخارج للمطالبة بحقوقه، وأثبتت الوقائع أيضاً أننا نستقوي بالكثير من نقاط القوة في مقدمتها الوحدة الوطنية وجيشنا العقائدي والقائد الشجاع المقاوم السيد الرئيس بشار الأسد الذي نال شرف قيادة معركة الدفاع بكل شجاعة و اقتدار عن العروبة والإسلام.
اليوم وكل يوم نتوقف لنأخذ مثالاً من الحسكة حيث أهلنا يعيشون في ظل وحدة وطنية متلاحمين متآخين، و لم و لن يسمحوا لأي طرف بتمرير أي مشاريع خارجية، وقد عبّرت الفعاليات الاجتماعية والعشائر وكل مكونات المجتمع في محافظة الحسكة بوضوح عن الحرص المشترك على تحصين الجسم الوطني ضد الآثار والتداعيات التي تأتي من الاملاءات الخارجية وسد كل الثغرات الموجودة أمام هذا الاستهداف، وقال الجميع بصوت واحد أنه لا يحق لأي مكون أن يصادر العقد الاجتماعي ويلغي شكل الدولة ونظامها السياسي بصورة آحادية، وبردة فعل غير محسوبة النتائج، لما ينطوي عليه مثل هذا التصرف من تهديد سافر لوحدة الجغرافيا والشعب لأن قوة الدولة من قوة شعبها الذي يرفض أن تمس وحدتها ودستورها وسيادتها الوطنية، و لأن مستقبل سورية وشكل الدولة ونظام الحكم فيها لا يقبل الخضوع للأمزجة والحسابات الآنية الضيقة، و إنما هو حصري بيد الشعب السوري كما يحدده الدستور وتحميه إرادة الشعب والقوانين الدولية.
وليس في الحسكة فقط.. الشعب السوري أثبت في مواجهته للحرب العدوانية أن المواطنة ليست مجرد كلمة إنما هي مسؤولية وشرف لا يمكن بأي حال من الأحوال التملص منها أو إدعاؤها دون تحمل ما تعنيه من معان سامية، و أن نكون مواطنين حقيقيين علينا أن نقوم بواجبنا تجاه وطننا، ومن أولى تلك الواجبات الحفاظ على أمنه واستقراره ومكتسباته، وعلينا أن نثبت أننا نستحق هذا الوطن وما فعله من أجلنا عبر عقود ممتدة من الزمن. المواطنة الحقة أن نعطي لوطننا جزءاً ولو يسيراً مما قدم لنا، أن نحميه من كل من يحاول العبث بأمنه واستقراره فذلك أقل ما يمكننا فعله، ومن هنا علينا أن نعمل جميعاً على إعادة تشكيل الوعي الوطني في مواجهة محاولات إنتاج وترويج انتماءات جزئية مقابل الهوية الوطنية الواحدة..
الشعب السوري الذي يمتلك كل ذلك التاريخ والعراقة لم ولن يعرف طوال تاريخه الهزيمة النهائية بكل أشكالها، وهذا لا يلغي حقيقة أنه تعرض لنكسات وأشكال من الاحتلال والعديد من الأزمات، ولكنها لم تتحول إلى حالة استسلام أو خضوع وخنوع، بل إن الأزمات وأشكال العدوان والاستهداف والتآمر كانت تشكل بالنسبة له مصدراً إضافياً للمزيد من التحدي والمواجهة والإصرار والتصعيد للحالة الوطنية.
الشعب يريد الحياة الكريمة، يريد الأمان ويريد الإصلاح.. لكن الشعب لا ينتظر من يأتي من الخارج للمطالبة بحقوقه، لأن هذا التحريض استخفاف بإرادته ثم من هو هذا الطرف الذي يريد لبلدنا إصلاحاً أكثر من أبناء هذا الوطن؟
يقول نزار قباني: ومن الكي قد يجيء الشفاء، لكن يجب أن نميز بين نار تكوي صاحبها حباً، و بين النار التي تحرق وتشتعل حقداً وكراهية. و ليت الذين يرتهنون للأجنبي وينفذون تعليماته في التخريب وحرق المؤسسات يفهمون ذلك.